تحكيم الشريعة

تحكيم الشريعة
عبارة يرددها الاسلامويين في كل مناسبة من انتقادهم للحكام في بلادهم ولااظن ان اغلبهم يعي ويفهم معناها والمراد منها ، فان انت واجهته بسؤال كيف تحكم بالشريعة اجابك سريعا ان نحكم بما انزل الله ومن لم يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الكافرون والفاسقون ولانقبل بالشرع الوضعي باي حال، لنضعك اليوم حاكما فكيف تحكم بما انزل الله؟ اجابك باسرع مما سبق ان نقيم حدود الله ! وان سالته مااهي حدود الله تلك اجابك بالسرعة نفسها ان تقطع يد السارق وترجم الزاني وتقطع يد قاطع الطريق وتجلد شارب الخمر الخ.. وحين تصر على تفسير هذه ال(الخ..) لايعرف ما يجيبك!
ايها المسلم المحترم لانشك في نيتك الحسنة في تطبيق شرع الله تعالى في المجتمع غير ان مفهومك لهذه الشريعة امر مختلف فيه منذ القدم فتعال هدانا الله واياك الى وضع النقاط على الحروف لعل الله تعالى يسهل امرنا ويغير حالنا لافضل حال
بداية نناقش مفهوم من يدعو للتحكيم بما انزل الله تعالى ومن خلاله نفهم المعنى الالهي المراد من هذه العبارة ومن خلال سؤالين يتبين ذلك بوضوح لمن اراد الحق غير مجادلا ومعاندا ومناديا لتحقيق مارب شخصية او فئوية
هل كل مايلزم المجتمع لديك حكمه؟؟ بمعنى هل كل ما يطرا على المجتمع من امور وخلافات يوجد لديك وفق مفهومك لما انزل الله حكما واضحا بشانه يخصه ولايخص غيره؟؟ فان قلت نعم فقد جانبت الصواب فان قلت لك ماحال من يخالف اشارة المرور الحمراء ؟ فاظنك ستجيب بان هذه امور الدنيا وهل تحكيم الشريعة بين الناس الا في امور الدنيا ومشاكلها وخلافاتها ومستجداتها؟
وقد تقول ناخذ بالسنة النبوية وباقوال وافعال الصحابة ومن ثم التابعين وبعدهم الفقهاء وصولا الى اهل العلم سواء الموتى او الاحياء منهم وهنا نقول لك بانك تركت ماانزل الله تعالى الى قول البشر وهل الانبياء فما دونهم الا بشر مثلنا؟ ولو حكموك فيما شجر بينهم وهل لها معنى الا بحكم النبي دون حكم الله ؟
اذا مفهوم الحكم بماانزل الله تعالى مفهوم واسع اكبر من مايفهمه دعاة الدولة او الخلافة الاسلامية والحق في هذا الامر والله اعلم بان الله تعالى انزل في كتابه العظيم احكاما تشمل حياة البشر في كل مراحلهم ومهما تطور بهم الزمن وتغيرت ملامح العيش في المجتمع وهذه الاحكام منها ما هو مهم ولابد من تفصيله وقد فصله الحق سبحانه ومنها ماهي خطوط عامة ينضوي تحتها امورا كثيرة جدا لايكاد يخلو منها مجتمع او اسرة
فاذا قال الحق سبحانه – ان الله يامر بالعدل والاحسان- فكلمة العدل كما هو معلوم تشمل كل حياة الانسان الخارجية فمامور بالعدل مع نفسه فلايفرط في طعام وشراب وعدم زواج فعدل بين متطلبات النفس ومتطلبات الجسد وعدل مع الزوجة وعدل مع الاولاد وعدل مع الجار وعدل مع الناس وعدل في البيع والشراء وعدل في المعاملات عموما وهكذا تجد ان العدل يكاد يتغلغل في كل امور الانسان
وحين يقول الحق – وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي – كم من الامور والتحركات التي لايقبلها العقل ولا الفطرة البشرية السوية ولا المجتمع الانساني يقع تحت هذه العناوين؟ لاشك انك تستطيع ان تضمنها كل ما يرفضه الانسان والمجتمع من سلوك ومعاملات ترفضها الفطرة الانسانية السوية
وهكذا تجد ان كل مجتمع يحكم بقوانين تسمى مجازا وضعية تتضمن الامور التي فيها خير للمجتمع عموما وللفرد خصوصا لاشك انها تنضوي تحت عبارة ماانزل الله فان اجتمع من عرف عنهم الحكمة والراي السديد ومن يمثلون كافة تيارات المجتمع واتفقوا على ان الافلام الاباحية ممنوعة وحرام فهم بذلك يحكمون بالعدل بين من يسلك مسلكا ياباه الناس وبين المجتمع صغيره وكبيرة وبالمحصلة فهم يحكمون بما انزل الله وان كان بنظر البعض بان هذا القانون وضعي
في هذه الحالة فقط تستطيع ان تعيش في هذا العالم بكل تقنياته ومستوياته المعيشية والحياتية والا فليس لك خيار ان كنت ممن يصر على التقيد بالنصوص بحرفيتها الا ان تصنع مدينة بمجتمع خاص كل مافيه من البناء الى الماكل والمشرب الى العمل وادوات العمل ملامح هذه المدينة لاتتجاوز القرن الاول الهجري بكل تفاصيله ولايسمح باي جديد فيه حتى العملة المتداولة يجب ان ترفض فمن سك النقود بشر وليس مما انزل الله وبذلك قد تستطيع ان تحكم وفق فهمك في ذلك المجتمع وتلك المدينة لانها صورة طبق الاصل للفترة التي نزل بها الوحي وهذا لايقوله عاقل رغم سماعنا عن محاولة انشاء مثل هذه المدينة في افغانستان ابان حكم طالبان
الخلاصه ايها المسلم العاقل ان الخطوط العريضه التي تتكيف وتشمل كل نواحي حياة الانسان كل انسان وليس المسلم فقط قد وضعها الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم والتفصل لاشك انه سيكون من البشر فهم من يضعه ويتفق عليه وهذه سنة الله تعالى في خلقه فكل مجتمع يعيش وفق اجتماع الناس ضمنيا على الاتفاق على منهج عيش يخصهم واتفقوا على تفاصيله وبهذا تشكلت المجتمعات اصلا
والله سبحانه وضع حدودا او قل بلغة اليوم خطوطا حمراء لتنبيه هذه المجتمعات ان هناك امورا وان اتفقتم عليها سابقا غير ان بها ضررا لكم ولمن حولكم فانزل الله تعالى حكما بمحرمات لايمكن التهاون بها وترك الحلال دون ذكر او تخصيص لكثرته فكل ما لاينطوي تحت ماحرم الله تعالى فهو مباح حتى يتبين ان به ضررا واضحا لالبس فيه فيمنع وليس يحرم منعا تاما في مجتمع او منطقة او مدينة فالحلال والحرام بشكل مخصوص هو من شان الله تعالى وحده فقط ولايسمح حتى للانبياء بالتحريم
فان انت وعيت هذا الامر ايها الداعية للحكم بما انزل الله تكون قد تجنبت الصدام مع بقية المجتمعات سواء الاسلامية منها او الغير اسلامية ، فان انت دعوت كل اطياف المجتمع ايا كانت ديانتهم ومعتقدهم من المشرك الى الملحد الى العاصي والوثني وقلت له تعالى لنتفق على قانون يكون الكل كل الناس سواسية كاسنان المشط امام القانون الذي به خير للمجتمع لامحسوبيات ولا واسطات ولا رشى ولا جاه ولا سلطان الحاكم والغني وبقية الشعب كلهم سواء فهل هناك من يرفض عرضك هذا؟ ا
وهكذا تجد ان كل الناس تساندك بكل محبة وتقف الى جانبك في سيادة قانونك ذو المنبع الالهي رغم عدم تدينهم بالاسلام , فاي انسان يكره ان يسود الصدق كل الصدق في حياة افراد المجتمع الصدق في القول والصدق في العمل وعدم الغش وعدم الاحتكار وعدم اذية الجوار ايا كان هذا الجوار ومساعدة الفقير والضعيف والاهتمام بذوي الحاجات
بهذا فقط ستكون الدولة التي تحلمون بها وان انتم سرتم على منهج اهل السيف والقوة بفرض حكمكم ورؤيتكم لن يمر عليكم يوم واحد دون مشاكل واراقة دماء وعداوات وقتال
اساله تعالى ان يلهمنا فهم كتابه والحكم بما انزله كما يحب ويرضى ويصلح حالانا الى احسن حال وصلى الله على نبينا وحبيبنا وعلمنا محمد وعلى من اهتدى بهديه الى يوم الدين والحمد لله رب العالمين