الموت ولا المذله

سأل الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب عمرو بن معد يكرب رضي الله عنهما، فقال له عمر: يا عمرو، أخبرني عن أشجع من لقيت ؟؟
فقال: والله يا أمير المؤمنين لأخبرك عن أجبن الناس وأحيل الناس وأشجع الناس، خرجت مرة أيام الجاهلية أريد الغارة، فبينما أسير إذ بفرسٍ مشدود ورمحٍ مركوز وإذا رجل جالس كأعظم ما يكون من الرجال خـَلـْـقاً وهو مشتمل بثوبه سيفاً، فقلت له: خذ حذرك فإني قاتلك، قال: فمن أنت؟
قلت: أنا عمرو بن معد يكرب.
فشهق شهقة فمات.
فهذا أجبن من رأيت يا أمير المؤمنين.
وخرجت يوماً حتى انتهيت بأرض، فإذا أنا بفرسٍ مشدود، ورمحٍ مركوز وإذ صاحبه داخل بئر يرتوي. فقلت له: خذ حذرك فإني قاتلك، قال: فمن أنت؟
قلت: أنا عمرو بن معد يكرب.
قال: أبا ثور ما أنصفتني، أنت على ظهر فرس وأنا في بئر؛ فأعطني عهداً أنك لا تقتلني حتى أركب فرسي وآخذ حذري.
فأعطيته عهداً ألا أقتله حتى يركب فرسه ويأخذ حذره.
فخرج من الموضع الذي كان فيه حتى تقلّد سيفه وجلس.
فقلت له: ما هذا؟
فقال: ما أنا براكب فرسي، ولا بمقاتلك؛ وإن نكثت العهد قتلتني وعيّرتك العرب بدمي.
فتركته ومضيت. فهذا يا أمير المؤمنين أحيل من رأيت !.
ثم إني خرجت يوماً آخر فظهر لي فارس، فلما دنا مني إذا هو غلام قد أقبل من ناحية اليمامة فلما قرب مني سلّم، فرددت عليه. وقلت من الفتى؟
قال: أنا الحارث بن سعد، فارس الشهباء
فقلت له: خذ حذرك، فإني قاتلك.
فقال: الويل لك؛ من أنت ؟
فقلت: أنا عمرو بن معد يكرب
قال: الحقير الذليل ؟ والله ما يمنعني قتلك إلا استصغارك.
فتصاغرت نفسي إليّ، وعظم عندي ما استقبلني به.
فقلت له: خذ حذرك، فوالله لا ينصرف إلا أحدنا.
قال: اغرب؛ ثكلتك أمك! فإني من أهل بيت ما نكلنا عن فارس قط.
قلت: هو الذي تسمع.
قال: اختر لنفسك إما أن تُطرد لي وإما أن أطرد لك.
فاغتنمته وطمعت به فقلت: بل أطرد لي، فأطرد وحملت عليه، حتى إذا قلت: إني قد وضعت الرمح بين كتفيه إذا هو يكون خلفي فجأة ويقرع رأسي بمؤخرة سيفه ..
ويقول: خذها إليك واحدة؛ فوالله لولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك.
فتصاغرت نفسي، وكان الموت - يا أمير المؤمنين - أحب إليّ مما رأيت، فقلت له: والله لا ينصرف إلا أحدنا وفعلت ذلك معه ثلاثاً ولم أتمكن منه وكان بإستطاعته قتلي ولكنه لم يفعل ..
فقلت له: اقتلني، فإن الموت أحب إلي مما أرى ومما ستسمع فتيان العرب به.
فقال: يا عمرو؛ إنما العفو ثلاث، وإني إن استمكنت منك الرابعة قتلتك وأنشأ يقول:
وكـَّدتُ أغلاظاً من الأيمان *** إن عُدتَ يا عمرو إلى الطعان
لـتـوجـرنَّ لـهـب الـسـنان *** أولا، فـلـسـتُ مـن بني شـيبان
فلما قال هذا؛ كرهت الموت وهبته هيبة شديدة، وقلت: إن لي إليك حاجة.
قال: وما هي؟
قلت: أكون لك صاحباً؛ ورضيت بذلك يا أمير المؤمنين
قال: لست من أصحابي، فكان ذلك أشد وقعاً عليّ. فلم أزل أطلب إليه حتى قال: ويحك! وهل تعلم أني أريد الموت عياناً.
قلت: رضيت بالموت معك.
فانطلقنا حتى وصلنا إلى حي من العرب فنزل دونهم وقال لي: أمسك فرسي حتى أعود، فذهب حتى دخل قبة فاستخرج منها امرأة لم تر عيناي قط مثلها. فحملها على ناقة وأتى بها إليّ ثم ركب فرسه وانطلقنا ...
فلما سرنا قال لي: التفت وانظر هل ترى أحداً.
قلت نعم أراهم.
قال: انظر، فإن كان القوم قليلاً، فالجلد والقوة والموت. وإن كانوا كثيراً فليسوا بشيء.
فالتفت، فقلت: هم ثلاثة.
قال: قف وحوّل وجوه دوابنا إليهم. ففعلت ذلك وترجل من فرسه.
فوصلوا إلينا وكانوا ثلاثة شيخ كبير وهو أبو المرأة وأخواها، فسلّموا، فرددنا السلام.
فقال الشيخ: خل عن ابنتي يابن أخي.
فقال: ما كنت لأخليها، ولا لهذا أخذتها !
فقال: لأصغر ابنيه اخرج له. فخرج وقابله الحارث واشتد القتال بينهما حتى طعنه الحارث فقتله.
فقال الشيخ لابنه الآخر: اخرج إليه يا بني فلا خير في حياة على الذل، فخرج إليه وقاتله الحارث قتالاً أشد من قتاله لأخيه حتى طعنه الحارث طعنة أسقطته على رمحه فقتله.
فقال الشيخ: أما وقد أردت أخذ ابنتي وقتلت ولديّ، فإني لست كمن رأيت، فاختر لنفسك المطاردة أم المنازلة.
فقال الحارث: هي المنازلة.
وقد قالا أشعاراً قبل نزالهما فعلمت أنهم من بني شيبان من بكر بن وائل.
فرفع الحارث سيفه، فلما نظر الشيخ إلى السيف أنه قد هوى على رأسه، ضرب بطن الحارث ضربة أخرجت السيف من ظهره، ووقعت ضربة الحارث في رأسه؛ فجثيا على ركبتيهما ميتين.
فأخذت أنا البنت والراحلة وأربعة أسياف وأربعة أفراس وأخذت أقودها.
فقالت البنت: يا عمرو، إلى أين تأخذني؟ فوالله لست لي بصاحب ولست كمن رأيت ولم تسلك سبيلهم فأعطني سيفاً ورمحاً فإن غلبتني كنت لك.
فقلت لها: ما أنا بمعطيك ذلك، وقد عرفت أصلك، وجرأة قومك وشجاعتهم.
فرمت بنفسها من الناقة وأهوت إلى الرمح، فكادت تنتزعه من يدي. فلما رأيت ذلك خفت إن هي ظفرت به قتلتني، فدفعتها بكل قوة فسقطت فلما أرادت العودة إلى الرمح قتلتها به.
فهذا أشد ما رأيته يا أمير المؤمنين

م / ن

السلام عليكم.........

موضوع رائع وقيم نقلته لنا

نتمنا الفائدة للجميع وتحياتنا لكم ولجهودكم الرائعة

تقبلوا جزيل شكرنا واحترامناااااااااااا

» الموت
» الموت الحقيقي....
» الموت لكل الشعراء
» الضحك في زمن الموت
» الموت للعرب