د
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.. {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
لم أكن أتخيل أن هناك هذا اللون من السعادة الجماعية التي رأيتها عند سماع المصريين وغيرهم من أحرار العالم نبأ رحيل الطاغية مبارك.. لقد رأيت في ميدان التحرير وفي شوارع مصر عيون الناس وأفئدتهم وأصواتهم كلها تنطق بسعادة عجيبة لم أعهدها مطلقًا.. بل رأيت على شاشات التلفزيون نفس مظاهر السعادة في معظم البلاد العربية، وفي كثير من بلدان العالم الغربي..
لقد كان أمرًا مفرحًا حقًّا..
وإذا كانت هذه الفرحة قد دخلت قلوبنا جميعًا، فإننا يجب أن نقف وقفة ونقدِّم الشكر الواجب لكل من أسهم في إدخال هذه الفرحة في قلوبنا..
أولاً: الشكر والحمد والثناء والتبجيل لله رب العالمين:
اللهم يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك.. لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد بعد الرضا، ولك الحمد أبدًا أبدًا..
لك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد.. أنزلت علينا نصرك، ودافعت عنا بجندك، وأكرمتنا بلطفك..
أنت الكريم.. أنت العظيم.. أنت الجليل..
بيضت وجوهنا، وأثلجت صدورنا، وسكَّنت قلوبنا.. ونوَّرت بصائرنا..
الأمر كله لك، والفضل كله لك، والحمد كله لك..
ما فعلنا شيئًا إلا بإذنك وتقديرك، وما حققنا نجاحًا إلا ببركتك وتوفيقك، وما ثبتنا حين مكر بنا الطغاة إلا بفضلك وتثبيتك..
أنت إلهنا وخالقنا ورازقنا وناصرنا.. نشكرك ونطمع في المزيد منك، فأنت القائل: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]..
فعلِّمنا يا ربنا كيف نشكرك، وكيف نلجأ إليك، وكيف نتوكل عليك؛ فنحن بك أقوى من الدنيا جميعًا، ونحن بدونك لا شيء..
ثم بعد شكر الله
، نتلمس في قول رسولنا
: "مَنْ لاَ يَشْكُرِ النَّاسَ لاَ يَشْكُرِ اللَّهَ"[1]، ما يُلزمنا بتقديم الشكر -بعد الله- لكل من أسهم في فرحتنا هذه.
ثانيًا: الشكر لشعب مصر الأصيل:
كثيرًا ما ظن الناس أنك قد صرت على هامش التاريخ، أو مت موتًا لا بعث له، لكنك أثبت أن هذه الظنون خاطئة، وأن هذه التوقعات بعيدة كل البعد عن الحقيقة..
فالشكر لكل فرد من أفرادك أسهم في هذه الثورة الحضارية بكل المقاييس..
الشكر للشباب الذين أشعلوا هذه الشرارة المباركة، والذين شاركوا في اللجان الشعبية الكثيفة التي قامت بدور الشرطة الغائبة..
والشكر للآباء والأمهات الذين قبلوا، بل شجعوا أولادهم وبناتهم على المشاركة الفعالة في هذا العمل الخطير..
والشكر للنساء والرجال الذين تعاونوا في ميدان التحرير على إخراج الصورة في أبدع شكل ممكن، فحرصوا على التكامل الرائع، حتى رأينا المستشفيات الميدانية، ولجان النظام، ولجان النظافة، ولجان الإذاعة، ولجان الضيوف، ولجان تأمين المكان، ولجان مقاومة البلطجية والمخبرين ورجال أمن الدولة..
والشكر لكل أفراد الشعب الذين تحملوا المشكلة الاقتصادية التي مرت بها مصر خلال تعطل الأعمال فيها..
والشكر لكل من رفع يده للسماء يدعو الله
أن يثبت أهل الحق، ويزلزل أهل الباطل، وأن ييسر لهذه الأمة أمر خير ورشد..
حقًّا.. الشكر كل الشكر.. لكم يا شعب مصر العظيم.
ثالثًا: الشكر للقوى الوطنية الفعالة:
مع كون هذه الثورة شعبية بمعنى الكلمة، أي أنه شارك فيها كل أفراد الشعب رجالاً ونساء وأطفالاً، ومن كل الأطياف والتيارات، إلا أن هناك شكرًا خاصًّا لا بد أن يُوجَّه إلى مجموعة من القوى الوطنية، التي أسهمت بشكل فعَّال في إنجاح هذه الثورة..
وينبغي أن نوجِّه الشكر أولاً لمن أشعل شرارة الثورة، وهي المجموعات الشبابية التي تكوَّنت على شبكة الإنترنت، وكانت لها فعاليات مؤثرة في أثناء الشهور السابقة للثورة، ومنها مجموعة "كلنا خالد سعيد"؛ وخالد سعيد هو الشاب السكندريّ الذي مات تحت تعذيب رجلين من شرطة الإسكندرية. وحركة 6 إبريل التي تأسست في 6 إبريل 2008م، وكان الهدف من إنشائها التضامن مع العمال من أجل الحصول على حقوقهم. وكذلك مجموعة شباب الإخوان المسلمين، وهي مجموعة مكونة على الإنترنت، تتحرك بمعزل عن حركة الإخوان المسلمين الأم، إضافة إلى الحملة الشعبية لدعم البرادعي..
هذه المجموعات دعت إلى مظاهرة 25 ين***، وكانت البداية التي تطورت إلى الثورة المباركة..
نعم كانت أعداد هؤلاء الشباب قليلة بالقياس إلى أعداد المشاركين في الثورة بعد ذلك، لكنهم بدءوا الرحلة التي انتهت باقتلاع كثير من رموز الفساد في مصر، وما زالت تقتلع، ومن ثَم وجب تقديم الشكر لهم أولاً.
ثم يأتي في مقدمة الحركات الداعمة للثورة، والمؤثرة فيها جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة غنية عن التعريف، وأعضاؤها نشطون في معظم دول العالم، وهي أكبر تجمع إسلامي منظم في مصر، ولها مشاركات فاعلة مؤثرة قوية للغاية في المساحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، وقد تحركت من بداية الثورة مع جموع الشباب في يوم 25 يناير 2011م، ثم دخلت بكل ثقلها في يوم الجمعة 28 ين*** 2011م، والمعروفة بجمعة الغضب.
ومن المعروف أن جماعة الإخوان المسلمين من الجماعات المتميزة في قدرتها على الحشد، وكان لها الفضل الأكبر في تكثيف المشاركة في الثورة، وهم الذين تحملوا عبء يوم الأربعاء الدامي 2 فبر*** 2011م، والذي هجمت فيه جموع بلطجية الحزب الوطني على المتظاهرين سلميًّا، وقال كثير من المشاركين في الثورة: إنه لولا ثبات الإخوان في هذا اليوم، لكانت النتيجة كارثية بكل المقاييس..
فالشكر كل الشكر لهم على وقفتهم الجريئة، والحق أن الحديث عنهم يحتاج إلى مقال منفصل؛ لئلا نبخسهم حقًّا من حقوقهم.
ولا ننسى أن نوجه الشكر إلى حركة "كفاية"، وهي حركة تأسست في سنة 2004م، تهدف إلى منع تمديد الحكم للرئيس حسني مبارك، ومنع توريثه لابنه جمال مبارك، وعلى الرغم من الانقسامات التي حدثت في صفوف "كفاية" إلا أن رموزها شاركوا في الثورة، وكان لهم تواجد ملموس في ميدان التحرير.
كما أحب أن أشير إلى أن هناك تجمعات أخرى وأحزابًا تستحق الشكر والثناء، ولم أحرص على الحصر في هذه العجالة، ولكن وقفت على أبرز المشاركين فقط.
رابعًا: الشكر للأبطال الشهداء:
ليست هناك ثورة حقيقية بلا شهداء، وكم سعدت برؤية شباب مصريين يُقبِلون على الموت بهذه الشجاعة! وقد أيقنت عندها أن الدور الملقى على عاتق مصر كبير للغاية. وأيقنت أيضًا أن هذه الروح الشجاعة ستكون بإذن الله سببًا في تحرير مصر من الفساد والظلم، وتحرير العالم الإسلامي من كافة المحتلين في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وغيرها، وليس ذلك على الله بعزيز.
لقد خرج هؤلاء الأطهار يدافعون عن حقوق مسلوبة، ويقفون في وجه طاغوت متكبر، وقد علمنا أن "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"[2]، فكيف بمن قُتل دون مال الأمة جميعًا؟ وعلمنا أن الذي يقول كلمة الحق عند سلطانٍ جائر مجاهدٌ[3].. فكيف بمن يُقتل في سبيل ذلك؟ إنه مع سيِّد الشهداء حمزة
، كما أخبر رسولنا
[4].
فهنيئًا لكم أيها الشهداء, وهنيئًا لآبائكم وأمهاتكم وإخوانكم وأخواتكم، فأنتم ستشفعون لهم جميعًا بإذن الله تعالى, وأسأل الله أن يرضيكم في قبوركم ويوم بعثكم، كما أرضيتم مصر كلها بجهادكم.
خامسًا: الشكر للعلماء الذين أيدوا الثورة وباركوها: