حوار مع سلفي

منقوول
قال صديقى السلفى: «أراك متحاملاً على السلفيين». قلت له باسماً: «كلنا سلفيون بالمعنى الصحيح للمصطلح. هل أخذنا الدين إلا عن أسلافنا الكرام؟ من نقل إلينا صفة صلاة النبى؟ كيف تواتر عندنا القرآن الكريم؟ لكن المشكلة أن بعض من ينسبون أنفسهم إلى السلفية فيهم غلظة فى القول تصل إلى حد التجريح، حينما أقرأ تعليقات بعضهم يأخذنى الحزن على تشويه سماحة الدين».

ونظرت إلى صديقى فى حب، هو بالمناسبة سلفى بالمعنى الصحيح للمصطلح، سلفى بمعنى مُحمّدى الأخلاق، عف اللسان، جمّ المروءة، لا يغتاب أحداً ولو ظلمه، من أصحاب صلاة الفجر فى المسجد، مهما امتد به السهر الطويل، وأهم من ذلك أنه يساعد الجميع، لم يحدث أن طلب أحد منه شيئاً إلا وساعده على حساب وقته وراحته. أشهد أنه لو كان السلفيون على طراز هذا الرجل لصار جميع أهل الأرض سلفيين. كل هذا لم أخبره به فى وجهه، لأنه - كسائر الكرام - يحرجه المديح. عاد صديقى يقول بصراحته المعتادة: «أخبرنى ما الذى تأخذه على شيوخ السلفيين؟».قلت مُرحباً بحوار لم أشك أنه سيكون مثمراً: بصراحة أنا لا أكرههم، لكننى أيضا لا أحبهم!

 شعورى نحوهم هو الفتور. السبب الأول أننى أرى أن تقدير الناس لهم - من الناحية العلمية المحضة - فوق ما يستحقون. ولعل السبب هو قراءتى المتعمقة فى الإسلاميات. قبل أن أبلغ العشرين كنت قد قرأت تسعين كتاباً للعقاد، وجميع مؤلفات سيد قطب بما فيها الظلال، وجميع مؤلفات محمد قطب، وكتباً متفرقة للإمام محمد أبوزهرة والغزالى وأبى الأعلى المودودى ووحيد الدين خان، بالإضافة لآلاف الروايات والكتب الثقافية.

لذلك - بالمقارنة بما قرأتُ - وجدتهم مجرد دعاة، يحسنون الاستشهاد بمن قبلهم، يخاطبون الوجدان ويستثيرون مشاعر الناس، لكنهم - بالتأكيد - لا يستحقون هذا الإعجاب الشديد.

صدقنى يا صديقى هم لا يستطيعون - ولو بعد ألف عام - أن يكتبوا كتباً فى روعة «التصوير الفنى للقرآن الكريم» لسيد قطب، أو «نظرية الحرب فى الإسلام» لأبى زهرة، أو «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» للغزالى، أو «حقائق الإسلام وأباطيل خصومه» للعقاد.

هذه المؤلفات التى ذكرتها- على سبيل المثال لا الحصر- تنطوى على نظرة مختلفة للأمور. هى عمل إبداعى فذ ووهج فكرى شديد. يشبه الأمر- مع الفارق بين الإنجازات الفكرية والعلمية- اكتشاف «نيوتن» للجاذبية أو النظرية النسبية لـ«أينشتاين».

قال صديقى فى صبر: «ما تقوله صحيح، لكنك نسيت شيئاً مهماً، أنك تحكم بمقياسك أنت! بظروف نشأتك التى أتاحت لك قراءة كل هذه الكتب! بمتعتك الذهنية مع الفكر والجدل، بعقلك النقدى الذى يستطيع التمحيص، لكن معظم الناس ليسوا من طرازك، ولن يفهموا هذه الكتب، بسطاء يستحسنون من يخاطبهم بلغتهم، فيصل إلى عقولهم، وينقل إليهم الدين، وهؤلاء الدعاة يقومون بهذا الدور، وهذا شىء جيد يُحسب لهم، طالما يحتاجه الناس».

قلت متأملا: «لن أجادل بالباطل، هناك فارق بين الداعية والمفكر. أعترف بأنك على حق فى هذه النقطة».